أحمد النجار (دبي)
لعبت الأغنية الإماراتية القديمة دوراً ريادياً وتنويرياً في نشر الثقافة الإماراتية في الوطن العربي، وساهم الثالوث المنتج لها «كاتب وملحن ومطرب» في صناعة أغنيات طربية لا تزال تعيش في الوجدان الإماراتي والخليجي، خاصة التي قدمها عمالقة الطرب الإماراتي القديم أمثال محمد عبدالسلام، ومحمد بن سهيل الكتبي، وحارب حسن، وعبدالله بالروغة، وجابر جاسم، وغيرهم، ممن نجحوا في إحداث ثورة فنية ساهمت في نقل الموسيقى الإماراتية محملة برسائل القيم والتراث والتقاليد والحياة الشعبية.
يؤكد رموز الأغنية الإماراتية، المطربون والشعراء والملحنون، بصفتهم المعنيين بصناعتها، إلى جانب خبراء وكتاب ونقاد ومتخصصين أن الأغنية الإماراتية جريدة صوتية ناطقة ومعبرة عن حال وهموم وقيم المجتمع الإماراتي ووثيقة ترفيهية تعيش في الذاكرة الشعبية تتناقلها الأجيال المقبلة، وتحتاج إلى دعم حقيقي ووقفات جادة أمام تحديات وإشكاليات صناعتها وإنتاجها في ظل التكنولوجيا وإقبال الشباب على بعض ألوان من الغناء غير الطربي.
تاريخ الغناء
وخلال تتبع سيرة الأغنية الإماراتية منذ بداياتها، قال خالد البدور، الشاعر والباحث التراثي، إن تاريخ الغناء في الإمارات بدأ بالتقليدي القديم المتمثل في فنون الأداء الشعبية مثل البدوي، الذي ارتبط بأداء إنشاد القصائد البدوية بألوان وأشكال موسيقية مختلفة، مثل: الونة، والتغرودة، والردح «من غناء البدو قديماً»، وأيضاً اشتهر الغناء في المناطق الساحلية لارتباطه بأهازيج البحر، وأغاني الغوص والسفر والعمل على ظهر السفينة، كذلك بعض الأغاني المرتبطة بالأعراس، وأما المناطق الجبلية الزراعية، فقد اشتهرت بالأهازيج التي ارتبط أداؤها بمواسم الزراعة والحصاد والحياة الجبلية بما يسمى «الشلات»، ثم لمع الغناء الفردي، بالعزف على آلة العود واستخدام الإيقاع، وكانت بداياته الفعلية في الثلاثينيات والأربعينيات، وهي بداية ظهور محمد عبدالسلام أوَّل المطربين في تلك المرحلة حسب المصادر التراثية، حيث عاش في دبي، وكانت لديه أغان قديمة سجلها في الهند على أسطوانات أشهرها «آه من قلّ الرفيق، وحديقة ورد، ويظن المعافى أن داء الهوى سهل».
وأضاف: تتويجاً لتلك المرحلة، ظهر الفنَّان محمد بن سهيل الكتبي، الذي يعد واحداً من رواد الغناء الإماراتي، حيث انتقل للعمل في البحرين، ثم عمل في شركة أرامكو السعودية، وهناك افتتح محل باسم «أسطوانات سهيل»، وعرف في السعودية كواحد من رواد الأغنية، وكانت له علاقات كثيرة مع مطربين وموسيقيين عرب، مثل: هيام يونس الذي سجل لها بعض الأغنيات، ولدى عودته إلى دبي، أسس «تسجيلات صوت الخليج» وبدأ بتسجيل أعمال غنائية لمطربين آخرين، وقد ساهم في رفد المكتبة الموسيقية الإماراتية بالعديد من الأغنيات الشهيرة في فترة الخمسينيات والستينيات، منها: «ياحمد ياروم» و«أنا ونيت». في حب الموسيقى وأشار إلى ظهور المطرب حارب حسن، الذي اشتهر فترة الخمسينيات في رأس الخيمة ثم انتقل للعيش في أبوظبي والعين ثم دبي، وبعدها انتقل للعمل في البحرين، وهناك بدأت تتشكل شخصيته الموسيقية، حيث تعلم فنون الصوت والسامري، التي كانت منتشرة في البحرين بشكل كبير، وخلال أكثر من 20 سنة في حب الموسيقى، قدم حارب الكثير من الأعمال الموسيقية التي سجلها في الإمارات والبحرين، واقترب من مغنيين مرموقين، مثل: محمد راشد الرفاعي، ومحمد بن زويد، ومحمد راشد الصوري، وكان يزور دبي من حين لآخر، ليسجل بعض الأغاني لدى «تسجيلات صوت الخليج»، وارتبط المطرب حارب حسن بالشاعر سالم الجمري ومحمد بن سوقات، حيث غنى من كلماتهما أغنيات عديدة.
العصر الذهبي
وأوضح أن علي بالروغة ظهر في فترة الستينيات، بالتزامن مع حارب حسن، وبدأ بالعزف على العود ليقترب على منواله، فانتشرت أغنياته التي كان يسجلها في دبي عن طريق «أشرطة الكاسيت»، وشكل بالروغة ثنائياً موسيقياً مع الشاعر سالم الجمري، وكان من أكثر وأغزر المغنيين في تلك الفترة، حيث يعتبر من رواد الغناء الشعبي في دبي والإمارات، ثم جاءت فترة جابر جاسم، وكان له دور ريادي مهم في نقل الأغنية الإماراتية من الغناء الشعبي إلى الكاسيت عبر تسجيلها في الاستديوهات، حيث درس الموسيقى في القاهرة، ثم عمل في الإذاعة، ونجح في إدخال إضافات كثيرة عليها نتيجة حبه وشغفه للموسيقى، وشارك في العديد من الحفلات الخليجية، وقدم أيقونات غنائية وطربية لا تزال مطبوعة في الوجدان الخليجي، مثل: «شدو العربان بالكلي»، و«سيدي يا سيد ساداتي»، وأثرى الساحة الغنائية بصوته ونتاجه الموسيقي الجميل في فترة السبعينيات التي توصف بأنها العصر الذهبي له، وتوفي جاسم في عام 2001 ليطوي معه صفحة جميلة من الذكريات الموسيقية.
تشابه اللحن
كما أشار البدور إلى أن مطربي الإمارات في الفترة الماضية، كانوا يواجهون صعوبات بالغة في الإنتاج والتسجيل خلال مراحل صناعة الأغنية، لكنهم كانوا يثابرون في الاعتماد على الذات، وطوروا مهاراتهم وثقافاتهم من خلال تجارب مطربين وموسيقيين، وسافروا إلى بلدان مختلفة، وكان لهم دور مهم في نشر الأغنية الإماراتية إلى الخليج والوطن العربي في فترة السبعينيات والثمانينيات.
ولفت إلى أن صانع الأغنية اليوم تتوافر له كل أدوات إنتاج الأغنية، لكن لا تزال إشكالية وجود لحن تراثي وقصيدة متناغمة مع اللهجة الإماراتية، أمراً يمثل تحدياً كبيراً أمام المطربين الجدد، مشيراً إلى نماذج برّاقة صنعت وهجاً للأغنية الإماراتية، من خلال مغنيين صنعوا التأثير والفارق ضمن الفرق الشعبية، تساهم في المناسبات الوطنية والتراثية، والأعراس، أما وجود المغنيين المنفردين فضلاً عن معاناتهم مع شركات الإنتاج، فإنهم يقعون في مأزق التشابه والتكرار في الكلمة واللحن، ولا يزالون يفتقرون إلى الكلمة الأصيلة واللحن الغائص في الموروث.
ألحان إقليمية
وفي بحث عن مسيرة الأغنية، تحدث الشاعر والناقد والباحث علي العبدان صاحب كتاب «حَرف وعزف»، الذي تتبع خلاله كيفية نشوء الطرب الشعبي في الإمارات، وذكر أن أول مطربٍ معروفٍ كان يعزف على العود الفنان يوسف نقي من إمارة رأس الخيمة في ثلاثينيات القرن الماضي، وأنه لم يكن يغني الأغاني التي عرفت فيما بعد بالأغاني الإماراتية؛ بل كان يغني ما يحفظ من الأغاني العربية والخليجية والعراقية واليمنية ونحوها، مما كان يأتي على الأسطوانات الفنية التجارية، لكن لا يوجد تسجيل محفوظ للفنان يوسف نقي وكل ما نعرف عنه جاء عن طريق رواية المطرب الإماراتي حارب حسن، ثم في بداية العقد الخامس من القرن العشرين حصلت تطورات مهمة، إذ قامت أول شركة تسجيل فنية في دبي، وهي شركة «أسطوانات دبي فون» بتسجيل أسطوانات غنائية لفنان دبي الرائد محمد عبدالسلام الشهير بـ«مطرب الحَي»، وذلك في بداية عام 1950، ولكنه كان يغني أغاني الصوت الخليجية والأدوار اليمنية، وسجل لحناً محلياً واحداً في أغنية «بي هَم وبي ليعات»، وقد كتب على الأسطوانة «لحن عماني» في إشارة إلى إقليمية هذا اللحن، فهو مستعملٌ كثيراً في المنطقة الشرقية من الإمارات إلى داخل عمان، ولم تكن القصائد كلها إماراتية، بل كان بعضها فصيحاً بسبب أن محمد عبدالسلام، كان يكثر من «غناء الأصوات»، وهي مما يُستعمل فيها الفصيح بكثرة، بعد ذلك بخمسة أو ستة أشهر سُجلت أولى أسطوانات الفنان حارب حسن، التي حملت قصائد إماراتية لراشد الخضر وسالم الجمري، لكن الألحان كانت يمنية متأثرة بألحان إبراهيم الماس وغيره من مطربي اليمن، ممن كانت شركة «التاج العدني» ترسل أسطواناتهم إلى الخليج فيتأثر بها المطربون.
الونة والتغرودة
ولفت إلى أن حارب حسن بدأ يمزج تلحينه بألحان «البستات» الخليجية أيضاً تأثراً بصديقه الفنان البحريني محمد راشد الرفاعي وغيره من فناني البحرين، والبستة الخليجية، هي الأغنية الخليجية الخفيفة في مقابل أغنية الصوت الثقيلة، وأصلها يعود إلى «البستة» العراقية، ولكن حارب حسن بدأ يُقدم بعض الألحان المشتقة من بعض الفنون الإماراتية، كالسجع، والونّه، والتغرودة، وغير ذلك من الفنون الشعبية، كما حرص على تنويع القصائد الإماراتية، فنتج عن ذلك، تعرف كثير من الشعراء الإماراتيين إليه من مختلف مناطق الإمارات، لذا حصل على شهرة واسعة، وانتشرت أسطواناته في الإمارات، وأثرت في علي بالروغه وجابر جاسم وسعيد الشراري، وغيرهم، وبهذا، وعبر مراحل طويلة تبلور شيء سُمّي أغاني الطرب الشعبي في الإمارات، وبدأ الشعراء في الانتباه إلى متطلبات هذا الطرب، فبعد أن كان الشاعر الشعبي يقول الشعر على سجيّته أخذ ينتبه إلى مدى تناسب القصيدة، وطبيعة الغزل فيها مع مصيرها أغنية تُسجل وتنتشر بين الناس مقدماً عليها اسمه واسم المطرب الملحن، ومجموع هذا الأمر من احتراف المطربين واهتمام الشعراء وإدخال آلات الطرب الحديثة ظل يتطور إلى أن وصلت الأغنية الإماراتية إلى حداثتها.
تحديات
وذكر العبدان أن أبرز التحديات التي تواجهها الأغنية الإماراتية اليوم تتمثل في ضرورة الحرص على القصيدة الجيدة ذات الرنين وجرس الألفاظ المميز، وذات المعاني الصادقة كذلك، وهذا الأمر قد لا يتوافر دائماً، إذا لم يعد الطرب الشعبي بمفهومه القديم موجوداً، فإنه لا مانع من تلحين وإنتاج القصيدة الإماراتية الفصيحة كعملٍ فني راقٍ، وهذا تحدٍ كبيرٌ في ذاته، ولا بد منه فالإمارات رائدة ومتميزة في نهضتها إقليمياً وعربياً وعالمياً كذلك، ويجب الحرص على التلحين العميق ذي المَنحى الأدبي والمعرفي، بمعنى أنه يُعبر عن الأدبيات والمناسبات المهمة، كاليوم الوطني، ويوم العلم، ويوم الشهيد، كما أنه لا بد من ابتنائه على المعرفة بمختلف الأجناس الموسيقية والأوزان الإيقاعية، حيث نحتاج إلى التعبير عن مختلف مشاعرنا، التي تطورت بتطور العصر.
وأضاف: نحتاج إلى الجدّيّة في التعامل مع الموسيقى، فالعبقرية الموسيقية في العالم كله نشأت من الجديّة العلمية والعملية، كما توجه العبدان بالشكر للجهات التي ترى وتقيم الأنشطة والفعاليات، وخص منها مهرجان أبوظبي للموسيقى، الذي منح فرصاً كثيرة للشباب الإماراتيين، وكذلك «دبي أوبرا» التي خصصت قسماً للموسيقيين الإماراتيين بقيادة الموسيقار الإماراتي عيد الفرج.
وعن إشكاليات وتحديات صناعة الأغنية المحلية الإماراتية في ظل عدم غياب أحد أركانها «ملحن ومطرب وشاعر» وأسباب حضورها الخجول في الساحة الغنائية الخليجية، قال الفنان إبراهيم جمعة: قبل أن نوجه اللوم إلى غياب عناصر الأغنية الإماراتية، يجب أن تضطلع المؤسسات المعنية بالثقافة والفنون بدورها في تبني صنّاع الأغنية من مؤلفين وفنانين وملحنين، فعلى سبيل المثال كانت إذاعة أبوظبي تتبنى الفنان جابر جاسم حتى بزغ نجمه ولمع صيته محققاً للأغنية وهجاً فنياً في الخليج، مشيراً إلى ضرورة وجود قواسم مودة مشتركة بين هذا الثلاثي لخلق بنيان غنائي قوي. وأضاف: في السابق كان حب الفن يجمعنا تحت مظلة التفاهم وعدم الأنانية، وكنا نستشير بعضنا في أمور اللحن والكلمة، وكان المطرب يمتلك ذائقة جيدة وثقافة موسيقية عالية ويبدي رأيه في جودة الكلمة واللحن.
تراث مادي
ولا يشترط نجاح الأغنية الإماراتية توفر الفنان المحلي ضمن ثالوثها، بحسب جمعة الذي يؤيد الاحتفاء بالاختلاف في عناصر الأغنية للمحافظة على الهوية والقيم المحلية، وفي الوقت ذاته، يعتبر بأن تراث الوطن العربي هو تراث مادي واحد ومشترك، والفن العربي ينتمي إلى نسيج هذه الأمة بموروثاتها وعراقتها وأصالتها، مستشهداً: «كنا قديماً نسمع كل عمالقة الزمن الجميل بمختلف أطيافهم من الشرق إلى الغرب، أمثال: عبدالحليم، وأم كلثوم، وفيروز، وطلال مداح، ومحمد سعيد عبدالله، ووديع الصافي، وجمعة خان، وعبدالرب إدريس، وآخرين، أما اليوم فلم يعد صانع الأغنية يفكر أن يطعم الناس ذوقاً وحساً ملهماً بل يفكر كيف يصنع لها إيقاعاً راقصاً.
مسؤولية إعلامية
وقال جمعة: إن ما يقدم اليوم في الساحة الغنائية المحلية هو لون واحد، متعجباً: «هل هذه ثقافتنا وقيمنا وحضاراتنا الموسيقية؟، نحن نمتلك بحراً من الفلكلور الشعبي، فأين التغرودة، والعيالة، والفنون الأدائية والشعبية للإمارات السبع بصحرائها وبرها وساحلها، مطالباً بتأسيس لجان لإجازة النصوص الشعرية وتقييم الأصوات وفق قواعد ومعطيات أكاديمية، وأضاف: أنا ضد مقولة «الجمهور عايز كذا»، فالإعلام هو المسؤول الأول عن تشكيل ذائقة الجمهور وتهذيب الحس والارتقاء بالفكر والوعي، وليس مهماً فقط أن يمتلك المطرب صوتاً جيداً لنطلق عليه لقب مطرب، بل يجب أن يتمتع بثقافة موسيقية عالية تؤهله لتمثيل بلده ليكون سفيراً لتراثه وواجهة مشرفة تعكس قيم مجتمعه.
ورأى أن الحل لإنعاش الأغنية الإماراتية، يكمن في وجود مؤسسات تمتلك إرادة قوية في خلق أغنية إماراتية حديثة المستوى مغلفة بالموروث ومطعمة بإيقاعاته ونغماته لمواكبة روح العصر، متسائلاً في الوقت عينه: لماذا يلجأ فنانو الإمارات لتوقيع شراكة تعاون وعقود مع مؤسسات خارجية، أليس ذلك لتحرير الأغنية من الركود والجمود الذي تتقوقع فيه، لهذا يجب أن ينتبه الإعلام لحال الموسيقى والغناء ومدى ارتباطها باحتياجات المجتمع وخدمة الثقافة والقيم.
وأضاف: أصوات البعض لا تصلح لتمثل الإرث الموسيقي المحلي، فالفنان في السابق كان محباً ومخلصاً للفن، أم الفنان اليوم فقد بات يبحث فقط عن المادة والمعجبين والشهرة.. ويعتقد جمعة أن مستقبل الأغنية سيكون أكثر ازدهاراً، إذا تم تدريس مادة الموسيقى ضمن مناهج التربية والتعليم والتوجيه المعنوي، وإدخال الحصص الموسيقية من الروضة حتى الثانوية لتأسيس جيل موسيقي جديد وتوفير الأدوات اللازمة على حسب المراحل الدراسية، وطالب جمعة بضرورة تأسيس معهد للموسيقى لتأهيل المواهب والشباب وصناعة وتخريج عازفين ومطربين وملحنين محليين، بصفتهم حماة التراث وسفراء الثقافة وحراس القيم.
جاسم محمد: إرث للأجيال
قال الفنان جاسم محمد: إن الأغنية الإماراتية المحلية وصلت إلى القمة في فترة سابقة، ما لفت اهتمام كبار الفنانين العرب والخليج بضرورة وجود الأغنية الإماراتية في ألبوماتهم الغنائية، أما بالنسبة لمكامن الضعف والقصور، فهي تقع على عاتق الجميع ، وكل الاجتهادات التي قام بها العديد من الفنانين سواء على صعيد الكلمة واللحن والغناء، هي اجتهادات شخصية يشكر عليها أصحابها.
ونفى جاسم وجود أي غياب بالنسبة للثلاثي الإماراتي في صناعة الأغنية، فالكل متوفرون، لكن في الفترة الأخيرة اختلفت اتجاهاتهم، أما عن أهمية وجود دعم حقيقي للأغنية، فيجب أن يكون متواجداً وبشدة للحفاظ على الموروث الجميل بكل مجالاته ومحاولة التطوير وتوريثه للجيل المقبل، لافتاً إلى ضرورة وجود كليات وجامعات متخصصة لتدريس الموسيقى بشكل أكاديمي ومدروس، وتمنى أن يتحقق هذا الحلم الذي سينعكس على انتعاش الأغنية الإماراتية.
وطالب جاسم بإنشاء هذا الصرح المهم، فالمواهب الإماراتية بحاجة إلى دعم من هذا النوع وتوفير فرص محفزة على الإنتاج والإبداع.
علي الخوار: الأغنية الإماراتية تتصدر المشهد الخليجي
قال الشاعر علي الخوار إن اختلال العناصر الفنية للأغنية الإماراتية، ينعكس بالضرورة على جودة محتواها وطابعها، ورأى أن اجتماع الثالوث يساهم في خلق توأمة موسيقية يلمسها المتلقي من خلال الكلمة واللحن والصوت، معتبراً أن التحدي الكبير بين حضور وغياب صناع الأغنية يتمثل في إشكالية وجود دعم حقيقي للفنان المحلي.
لا يشكك الخوار في أن الموسيقى واجهة ثقافية مشرقة للمجتمع، حيث يمكن تطويعها في الحرب والسلم، مشيراً إلى أن الأغنية الإماراتية لا تزال تتصدر المشهد الغنائي الخليجي منذ أواخر التسعينيات سواء بانتشار الملحن والمطرب، وامتلاك أكبر وأشهر المعامل والاستوديوهات الإنتاجية، فقد شهدت مرحلة الثمانينيات انتعاشاً كبيراً في الحراك الموسيقي الإماراتي، ما جعل الساحة الغنائية العربية تلتفت إلى الموسيقى واللحن والصوت الإماراتي بشكل كبير، وتأسست على وقعها شركات الإنتاج واستوديوهات الغناء ومدن الإعلام الكبرى، وأصبحت تشكل «سياحة فنية ناهضة» شهدت انتعاشاً في نهاية عام 2000.
وقال إن الشعراء والملحنين المحليين يكادون يعدون على الأصابع، لهذا يجب صناعة جيل جديد، وتفريغ المبدعين الحاليين للفن ودعمهم مع ضرورة توفير قوانين لحفظ الحقوق الفنية على غرار الملكية الفكرية، ويجب على المحطات الفضائية والتلفزيونات المحلية تعزيز حضور الفنان الإماراتي وجعله في الصدارة والواجهة دائماً من خلال عرض كليباتهم ومنتجهم الغنائي، فإذا لم يجد الفنان سوقاً لسلعة الغناء، فإن مستقبل الموسيقى المحلية في خطر.
ودعا الخوار إلى تأسيس جمعية للفنانين والموسيقيين والشعراء النبطيين الإماراتيين تحافظ على حقوقهم وتمنحهم صفة الرسمية للمشاركة في محافل دولية، لتمثيل الثقافة والموسيقى الإماراتية.
أجيال فنية جديدة
قدم الفنان الشاب معضد الكعبي، أغنيات تراثية مكتملة الأركان في الأصالة والكلمة واللحن التراثي، أبرزها أغنية «صاح الزقر» من قصائد الشاعر سعيد بن عتيق الهاملي، وتم إحياء هذه الأغنية بدعم وإنتاج مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث.
ويتطلع معضد للغناء باللون الشعبي الإماراتي مع نفحات حداثية في التوزيع واللحن بما يتسق مع الإيقاع الشبابي، لكنه يعزو غياب الأغنية الإماراتية من الساحة الفنية إلى عدم إعطاء الفرصة للمواهب والمطربين الشباب وعدم دعم أفكارهم ورؤاهم التي تواكب اهتمامات وأمزجة الجيل الجديد.
وشدد على ضرورة أن يكون الفنان رقيب نفسه من ناحية فنية وأدائية والتعامل مع الألحان القديمة بمسؤولية ثقافية لحفظ التراث وصون الملكية الفكرية، وفي المقابل يرى أن على الجهات والمؤسسات المختصة احتضان المطربين الجدد ورعايتهم بالدعم الإعلامي وتعزيز حضورهم لضمان تواصل أجيال فنية جديدة.
والشباب برأيه هم الواجهة المشرقة الذين يحملون لواء التراث ويحافظون على الأصالة والقيم المجتمعية في فنهم، ولديهم إرادة طموحة في تقديم محتوى فني هادف، ولفت معضد إلى أن اللون الموسيقي الإماراتي يتميز بإيقاعاته وكلماته البسيطة النابعة من روح وأصالة اللهجة المحلية، والتي يمكن تجديد ألحانها القديمة واستحضار كلمات شعراء قدامى، فمن المهم بحسبه إحياؤها وفرض هويتها، ويراهن على قدرتها في إحداث أثر جميل في وجدان الشعوب، بالنظر إلى بساطتها وخصوصية لحنها وبساطة كلماتها الشعرية، معتبراً أن الكلمة والشعر هما وعاء اللهجة وحافظة للأصالة والقيم.
وأضاف: «لا يوجد جمعية للموسيقيين لطرح مشكلاتهم ومناقشة تحدياتهم في المنتج الفني، ولا توجد هناك جهات تتبنى ورش عمل لدعم المواهب الشابة وصقل إبداعاتهم.
«دنق» قصيدة عمرها 80 عاماً
قال الفنان حمد العامري، إن الأغنية الإماراتية الشعبية حاضرة بقوة على الساحة طالما هناك شعراء وملحنون ومطربون إماراتيون، من دون أن ينكر بأن هناك تحديات كثيرة أمامها تتعلق بالانتشار والتسويق، لكن يمكن تجاوز تلك المشكلات من خلال تبني الفنان نفسه مسؤولية أمام إحياء تراث بلده، والنبش في جماليات الكلمة واللحن الأصيلين، وإعادة إنتاجهما بطريقة جديدة، تتناغم مع المزاج العام وموجة الإيقاع الحداثي الذي يتماشى مع روح العصر.
العامري الذي بدأ حياته الفنية من خلال غناء قصيدة «الشلات»، أشار إلى أنه لاحظ في السنوات الأخيرة، وجود تعطش كبير إلى نفحات الطرب الإماراتي القديم، ولمسها من خلال ردود أفعال وانطباعات الجمهور، وولعهم الشديد بالاستماع إلى أغنيات شعبية من التراث الإماراتي الأصيل، وهو بالفعل ما جسده في أغنيته الجديدة «دنق» التي تم إطلاقها في بدايات عام 2019، وهي قصيدة من كلمات الشاعر الراحل راشد الخضر، وعمرها 80 عاما، وقام بتلحينها الملحن الإماراتي مبارك بالعود، موضحاً أنها حققت أصداء واسعة لدى الجمهور المحلي والخليجي، وهذا دلالة على حب الطرب القديم، وهو ما يحث المطربين على مواكبة أمزجة وتطلعات الجمهور بما يصب في خدمة الأغنية الشعبية.
إحساس صادق في الكلمة واللحن
عن تقييم الجمهور للأغنية الإماراتية بين الحاضر والماضي، قال حسن الشامسي 50 عاماً، إن الأغنية القديمة لها نكهة محببة، وإحساس صادق في الكلمة واللحن، وترتبط بذكريات جميلة لحياة بسيطة وقيم نبيلة، لهذا فإنه يجد فيها فسحة طربية ملهمة، مشيراً إلى أنه تربى على أغنيات الفنان جابر جاسم التي كانت تبثها الإذاعة ويتسابق الجمهور إلى اقتنائها عبر أشرطة الكاسيت، ويذكر بعض الأغنيات التي لا يزال يرددها، مثل «نسيتونا حبايبنا»، و«روحت عنهم» و«سلمولي»، وغيرهم.
وقالت فاطمة الحوسني، إن الأغنية حالياً تعيش مرحلة شتات بين ضعف الكلمة والإيقاع السريع، وتفتقر بعض الأغنيات إلى اللحن السليم بسبب موجة الحداثة، وذلك مهم لتطورها، ولكن جمال القديم له وقع خاص، فالأغنية القديمة تمتاز بكلماتها البسيطة التي تلامس القلب، ولحنها الذي يبث الحنين للذكريات والبساطة، مشيرة إلى شغفها وميلها إلى أغنيات متنوعة بين التراثية والوطنية.